يُسْقَى بماءٍ واحدٍ ... ليدلَّ على إلهٍ واحد ...


 ** الكون كلُّهُ   يُسقى من ماء واحد خلقه اللهُ وأودعه الأنهار والمحيطات والبحار والآبار ... وأودعه  المزن  الذي  يسقي الزرع ويملأ الضرع فيأكل الإنسان والحيوان ... وهكذا من دورةٍ مائية واحدة متكررة عبر التاريخ البشري ... ومن معينٍ واحد ... لهُ مذاقٌ واحدٌ ومركّبات واحدة ثابتة ... 
ومع ذلك فإن الكونَ ثريٌ ، متْخمٌ بخيراتٍ متنوعة من مخاض الأرض وممّا تُخرجُ الأرضُ من نباتها وفاكهتها وأعشابها ... بل إن كل بقعةٍ في الأرض لها خيراتُها الخاصة ولها ثراؤها المميز فيما يتغذى به الأنسانُ والطيرُ والحيوان ... بل إن كل موسم في العام لهُ طلعُه وإنتاجُه وثمارهُ وينعُه ... وكلُ هذا يُسقى بماء واحد ... 

***وليس الماء فقط ... بل إن  البصمة  المطبوعة على روح الكون بصمةٌ واحدة ، والسننُ التي تُسيِّرُهُ سننٌ واحدة  تدلُ على وحدة وفرادة ٍ ما ...   فالشمس تجري لمستقر لها ... و الشمس لا ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار ... وكلٌ في فلكٍ يسبحون كما يقرر ربُّ العزة في سورة " يس " ... الملائكُ لها خلقها وسمتُها وأدوارُها الإنسُ والجنُ تجري عليهم سننٌ ثابتة في الحياة والممات  وما بينهما في الأعمال والعبادة ... ولكلٍ أجل لا يستأخرون عنه ساعةً ولا يستقدمون ... إذن فقد شرب الكون من ماء واحد هو الإرادة الإلهية والتوجيه الإلهي ...
الكون كله له كونٌ خيِّرٌ معطاءٌ جميلٌ يدلُّ على إرادة خيّرة تُسيّرهُ ... إرادة تدعم الخير والحق والجمال ... إرادةٌ تنتصرُ للنور والظلّ الوارف  والثمرة اليانعة ... إرادة تساندُ ما يمكثُ في الأرض ... وتنقضُ الزبدَ الذي يذهبُ جفاءً ... إرادة خيّرة تدفعُ إلى العمل حتى اللحظات الأخيرة من حياة الإنسان  تدفعهُ دفعا للإعمار ونفع الآخرين ومساندتهم ... إرادة محبةٌ حنون تُجزي على السيئة بمثلها وتعفو عن  السيئة إن لم تخرج من مرحلة النية إلى مرحلة الفعل والسلوك ... وفي نفس الوقت تمنح على الحسنة بعشر أمثالها وتؤجر على  الحسنة حتى وإن كانت في النوايا كامنة ... 
*** إرادة حانية حافظة تنهى الإنسان عن المهلكات والمسكرات والميتة والدم ولحم الخنزير و... ولكنها تعفو عن كل ذلك إن كان اضطرارا وحفظا للحياة وليس منه مناص ... إرادة واعية حكيمة  مدبّرة ترصد من الإنسان نواياهُ وفعلَه ونزوع روحه وتطلّعها ...   إنها الإرادة الإلهيةُ  الخيّرة المنتصرة  للنور والعطاء والخيرو  النماء والعدل الجمال والاستقامة والبهاء   ... والكونُ كله يُدارُ بهذه الإرادة ... فهو يُسقى بماءٍ واحدٍ ... هو هذه الإرادة  الخيّرة ... 
*** كذلك الإنسان في كل مراحل التاريخ وفي كل بقعة من الأرض  هو الإنسان :  نفسه  وروحه  واحدة  ... وكذلك عقله وأحلامه...  وجعه وأمله...  طمعه وانكساره ... فهو يسقى بماء واحد ...
هكذا الوجود كلّه :  كيانٌ واحدٌ ... يُسقى من معينٍ واحدٍ ... من ماءٍ واحدٍ هو روحُ اللهِ وخلقُه وصنيعُه ... الوجودُ كلُّه يدلُ على إلهٍ واحدٍ ... لا إله إلاَّ هو الواحدُ الأحدُ الفردُ الصمد ... لا إله إلاَّ هو الرحمن الرحيم الحيّ القيُّوم ... لا تأخذهُ سِنةٌ ولا نَوم ... لا تأخذه ... 
                        بقلم : د. كاميليا عبد الفتاح 

تعليقات