الصَّيحة ... والقارعة ... والغفلةٌ الإنسانيةُ المُفزعة

** إذا تأمّلنا أسماء يوم القيامة سنجدُ أنَّ بعضها يصف هذا اليوم بالهول ، وبعضها يصف الجانب الصّوتي في هذا اليوم ، ومن ذلك : القارعة ... ، والصّيحة ... ! 
* وإنّ هذين الاسمين ومايشبههما لدليلٌ على أنّ اللهَ يعلم أنّ عباده في غفلة وفي سُباتٍ عظيم ... غفلة بالحياة الدنيا عن الآخرة ... انشغالٌ واستغراق كامل لن يُوقظهم منه إلاّ القرع والصّيحة والهول يوم القيامة حتّى ينتبهوا ، ويوقنوا أنّ هذه الحياة العابرة التي انشغلوا بها عن الخلود قد زالتْ وولّت وانتهت رحلتهم فيها ، وأنّ يوم الحقّ جاء ... وساعة الحساب وجبتْ ، وآنَ  أوانُ العرض على الله والوقوف بين يديه لتقديم ما ادّخرناه في الدنيا للآخرة ... 
* ** وعلى الرّغم منْ أنّنا نسمع بموت الآخرين كلّ يوم ، ونحضر الجنائز ، ونُشيّع أحد الجيران أو الأحبّة أو الأهل بينَ آنٍ وآخر ، ونشهدُ بأعيننا وجميع حواسّنا كيف تحوّلت حياة هذا الذي مات من الضّجيج والصّخب والحيوية إلى الصمت المأساويّ التّام ، وكيف انتقل من الحركة والنشاط  والأمل والعمل للمستقبل إلى همودٍ وسكونٍ ... ، وكيف تحوّل من كيانٍ حاضرٍ وحياةٍ كاملة إلى أعضاءٍ تندسّ في كفنٍ أبيض وترقد في حفرةٍ مظلمة مقفرة ليس معه فيها أيّ شئٍ ممّا كان يحبّه أو يكرههُ أو يشتهيه أو يعاديه أو ينافسه ... ليس معه إلاّ الظلام والوحشة والديدان والعفنُ وما سوف يقدّمه لخالقه يوم العرض ... ، .... ، رغم أنّنا نشهد حدث الموت المهيب الرهيب قريبا منّا كلّ يوم ، ورغمّ أنّ موت الآخرين في حدّ ذاته صيحة وقارعة توقظنا منْ غفلتنا ...! إلاّ أنّ كل واحدٍ منّا يظنّ أنّ الموت لن يقترب منه الآن ، وأنّه لن يكون في هذه الحالة قريباً ... كلّ واحدٍ منّا مسجونٌ في وهم الخلود ، وتوهّم الحياة المديدة ، لذلك يخدعه الشيطانُ بطول الأجل وامتداد الأمل ؛ لذلك فإنّنا لا نسمع الصّيحات والقوارع التي جعلها الله في الحياة الدنيا تنبيها لنا قبل صيحة القيامة وقرع النواقيس والنفخ في الصّور ... 


*** إنَّ المرض صيحةُ تنبيه  وقارعة ، وموت الآخرين صيحةٌ وقارعة ... وعلو السنّ صيحة وقارعة ... وكذلك ذهابُ الأماني ، ولحظاتُ المعاناة والمرارة في الحياة ، والإحساس بالعجز - الماديّ والمعنوي - والوحدة ، والفشل والحزن والهمّ والخوف ... كلّ هذا ، وكل ما ينبّهنا إلى غرور الحياة الدنيا ، ووهم وجودنا فيها صيحةٌ تذكّرنا بالله وبلحظة الوقوف بين يديه ... كل ما ينبّهنا إلى أنّنا كيانات ضعيفة هشّة لم تُخلق للخلود والحياة الدائمة صيحة وقارعةٌ ونفخٌ مستمرٌ في الصّور ... ممّا يؤكّد رحمة الله ، وأنّه سبحانه لا يريدُ لنا الغفلة ومفاجأة الموت وشهقة الرعب حين ينبهنا القرعُ العظيم ، يريدُ  لنا أن ننتبه إلى أنّ الاخرة هي الحياة الحقيقية الجديرة بأنْ نبذل لها ونتأهب للقائها ... فإذا استمعنا لصيحات الرحمة الإلهية جنّبنا اللهُ فزع الصيحة يوم الصّيحة وهول القرع يوم القرع العظيم ... 



                      بقلم :د. كاميليا عبد الفتاح 

تعليقات