هل اثَّاقلتُ ... ؟! ... هل اثَّاقَلْتُم ... ؟!


***ممّا يثيرُ التأمّل الحزين والقراءة المُوجِعة لأنفسنا ... ، ولأحوال الواقع الإسلامي أنْ نتدبّر الخطاب الإلهي في الآياتٍ الكريمة في " سورة التّوبة " ، ونتأمّل شدة هذا الخطاب الموجّه للمؤمنين المتقاعسين عن واجبات الإيمان وحقوق العقيدة ، وتبعات الانتماء لهذه العقيدة ... 

*** إنّ هذا الخطاب تتصاعد درجةُ شدّته ، وتشتدُ - تدرجيّا - حتّى تبلغ أقصاها عند وصف تردد المؤمنين عن الجهاد في سبيل الله ... ووصف التصاقهم بالحياة الدنيا واطمئنانهم إليها ...؟! يقولُ تعالى : 

" ياأيُّها الذينَ آمنُوا مالَكُمْ إذا قِيلَ لَكُم انْفِرُوا في سبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُم إلى الأرضِ أَرَضِيتُم بالحياةِ الدُّنيا من الآخرةِ فما متاعُ الحياةِ الدّنيا في الآخرةِ إلاَّ قليلٌ " 38


*** إن الله - سبحانه - يستكثر على المؤمنين التثاقل عن الجهاد في سبيله ... ، يستكثر على إيمانهم أن يتردد بين لذائذ الحياة الدنيا - التي وصفها  سبحانه  في التثاقل إلى الأرض - وبين لذة الجهاد في سبيله ... ، ومن ثمّ يصوّرُ هذا التثاقل بأنّه مقايضة خائبة واستبدالٌ خاسر حلَّت فيه الحياةُ الدُّنيا محلَّ الآخرة في قلوبهم ...
 وينبههم - سبحانه - إلى أنّ هذه الحياة الدنيا التي ارتكنوا إليها واطمأنّوا ... ليست في الآخرةِ إلاّ متاعُ الغرور ... :: زبدٌ منقشع ... بخارٌ عابرٌ ... وميضٌ مؤقّت ... 
## إنَّ المؤلم الموجِع عند تأمّل هذه الآيات الكريمة لا ينبثقُ من تأمّل حال المؤمنين المخاطبين فيها ... بل ينبثق من المقارنة بين أحوالنا وأحوال هؤلاء المؤمنين ... المؤلم ينبعُ من تأمّل أحوالنا نحنُ في زمننا هذا ... 
**إنَّ الكثير منَّا يثّاقلُ إلى الأرضِ عند سماعِ نداء الصلاةِ ... يثّاقل عن قيام الليل عجزا عن ترك برودة المكيّف  ، أو دفء الأغطية ... ومنّا منْ يثّاقلُ عن فعلِ الخير ، أو عن قول الحقّ ، منّا من يثّاقل إلى الأرض حين يرى مُنكراً يُوجبُ عليه دفعه - أو النهي عنه -أو حين يرى معروفا -يُوجبُ فعله ويُغري بثوابه وإنجازه ... 
من المسلمين اليومَ من يثّاقلُ عن إلقاء التحية الإسلامية ، ومنهم من يثّاقلُ عن الابتسام في وجه أخيه ... أو يتراجع عن هذه الابتسامة لاعتماده على مقاييس عصرية في التعامل أو مقاييس المصلحة والوجاهة والمهابة ... 

*** لآ أُنكرُ الخير في أمة محمد - عليه الصلاةُ والسّلام -ولا أبثّ اليأس من هذا الخير ...  ولا أتجاهلُ النماذج المُشرّفة الوضّاءة في كثيرٍ من المجتمعات والتّجمعات  والأفراد  ، ... 

ولو كنّا عدمنا الخير في هذه الأمة على إطلاقه ماكانت رحماتُ الله - التي نعاينها في أنفسنا ومجتمعاتنا - تتنزّل علينا ... ولولا عُبّاد سُجّدٌ مستغفرون ... مسبّحون .. قُوّام بالليل رُكَّعٌ بالنهار لكانَ حالنُا أشدٌ ممّا نحنُ فيه ... 
لكنّها تأمُّلات في حال  مؤمني الأمس وحالنا ... تأمُّلاتٌ نرجو بها  أن يكون الخير هو قائد هذه الأمّة ... هو الغالب ... أن يكون الإيمان بالله  هو حادي خطواتنا جميعا  في كل وقت  وفي كل حالٍ من أحوالنا ... هي تأمّلاتٌ شجيّة  دفعنا إليها تدبّر آي الذكر الحكيم مع تأمّل أحوال مجتمعاتنا اليوم والتي  لا يجب أن تكون أحوالنا ، فلا يصحّ ولا ينبغي أن نعاني ممّا نعاني ، ولا ينبغي أن نشتكي ممّا نشتكي ..., ، ولا ينبغي أن نفتقر ممّا نفتقرُ إليه - على الصعيد الماديّ أو المعنوي - ... !
*** وكما أنّ الشمس والقمر دائبان لا ينبغي لهما الخروج من المسار كما في قوله تعالى في سورة " يس " : " لا الشمسُ ينبغي لها أنْ تُدْرِكَ القمرَ ولا الليلُ سابقُ النهارَ "  الآية 40 كذلك لا ينبغي   -  كما هو في يقيني  وقناعتي - لأمة الإسلام أنْ تكونَ على حالٍ غير الذي خطَّهُ لها اللهُ في كتابه الكريم في قوله : " كُنْتم خيرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَت للنَّاس تأمُرُونَ بالمعروفِ وتَنْهونَ عن المُنكَرِ "  سورة آل عمران / الآية 110

*** إنها تأمّلاتٌ نرجو بها أن نقترب من المثل الأعلى في الإيمان ... المثل الذي يرتضيه سبحانه ... ولا يعفينا من هذا الواجب شئٌ .. إذ ما علينا إلاَّ أنْ نخطو الخطوةَ الأولى فيمدُّ اللهُ يدَ عونِه يجبرُ به كسرنا ويُقوّي به ضعفنا ، ويُقيل به عثرتنا ... ويأمر المسافات التي تحولُ بيننا وبين رضاه أن تنطوي فتُطوى ويهونُ علينا السّفر الشّاقُ إلى طاعته ويطوي عنّا بُعده ...




                           بقلم : د. كاميليا عبد الفتاح 

تعليقات