لا يموتُ ... ولا يحيا ... ؟!

عذابٌ مَنْ هذا العذابُ ...؟! عذابُ مَنْ الوقوعُ في ما بينَ الــ مَا بَيْنَ :  الموتِ والحياةِ... أو الحياة والموت  ؟! ... 
إنَّهُ عذابُ الأشْقَى ... والأشقى هو الأكثرُ درجةً في الشَّقاء من الشَّقي ... إذن هناك الشَّقيّ وهناكَ الأشقى  والذي يصفُهُ - سبحانه - في آياته الكريمة بقوله :
" فَذَكَرْ إنْ نفَعتِ الذَّكرى 9 ) سيذَّكَّرُ منْ يخشى 10) ويتَجنَّبُها الأَشْقَى  11 ) الذي يَصلى النَّارَ الكُبْرى 12 ) ثمَّ لا يمُوتُ فيها ولا يحيا 13) ... سورةُ الأعلى

*** الأشقى هو منْ  كذّب باللهِ ، وأخرسَ فطرته الشاهدة على وجوده والمغروسُ فيها ميثاقَه  معها ميثاقُ توحيده وتأليهه دون سواه  ... 
الأشقى هو منْ تجنَّب هذا الميثاق ... وتجاهلَ هذه الذِكرى المنغرسة في فطرته والمنبعثة في رسالاتِ الرّسل وخاتمهم الرسول الكريم مُحمّد - عليه الصَّلاةُ والسّلام - إنّ الأشقى في هذا الطّرح القرآني الفخيم لا يتجنب  الضَّلالَ و النّار والعذابَ ... بل يتجنّب الهداية والرّشاد والتَّذكرة والدّعوةَ إلى اللهِ - سبحانه ... إنّه إذن مائتٌ القلب والبصيرة وإن بَدا حيَّا ... فقد تعطَّلت وسائلُ إدراكه وحواسّه التي خلقَها اللهُ فيه لترشده إلى وجود الله ... لقد انتفَت الغايةُ من وجودِه  وهي عبادةُ الله وإعمارُ الكون عبادةً ... إذن هو في عين الوجود ... وفي منطق الجدوى مائتٌ ... مائتٌ ...مُتحَلّلٌ متعطّن ؛ لأنه مُتعطّلٌ عن استقبالِ الهُدَى ... لكنَّه - في الوقتِ ذاته -  هو في عِدادِ الأحياء جسداً ... يخوض غمارَ الحياة الدنيا وينهلُ من عابِرها ويعبُّ من زوالها مستزيداً ممَّا يظنه الخلودُ والقوة ... ! فخورا بما يمتلُكُه من الـــ ... زوال 
إنّه المائتُ الحيّ ... والحيّ المائتُ ... إنّه في منطقة خاصّة جدا  ... منطقة ما بين الموتِ والحياة ... 

***ولذلك يأتي عذابُه على شاكلة وضعيته في الحياةِ الدّنيا ... يُبعثُ ويخَلّدُ على هيئته المعنويّة ذاتها  :  لا يموتُ ... ولا يحيا ... 
وإنَّ عذَابه هذا لهُو عينُ العدل الإلهيّ وعينُ الحكمة الإلهيّة ؛ إذْ يُعذَّبُ حتى يهلك كيانُه في النّار فيحمدُ هلاكَه لأنّه نجاةً من مزيدٍ من العذاب ... لكنّ اللهَ يُجدّد هذا الكيان وهذا الجسد وهذا الإحساس بالعذاب فيه مرّةً أخرى ليهلِكه عذاباً ... وهكذا يُولِجُه اللهُ سبحانه في متوالية الإفناء والإحياءِ جزاءً إلهيّاً حكيماً لأنّه لم يكن من أصحابِ القلوب النّشطة الميمّمة صَوبَ خالقِها ... لم يكن منْ أصحاب الحواسّ المنتبهة لما يدعوها إلى الهُدى ... لم يكن حيَّا مُسَاهما في الحياة بإضاءة الطريق وتعبيده إلى الله ... ولم يكن ميتاً يكفّ أذاه عن الحياة ، وينأى عنها بظلمته وإظلامه وإضلاله ... فوَجَبَ عليه ألاَّ يموت فيتّقي العذابَ و لا يحيا كما يجب أن تكون الحياةُ ...
 إنَّ اللهَ شديدُ الطّولِ شديدُ العذاب ... وإنَّ أخذهُ لمخيفٌ ... سبحانه ... نستغفرُ ونتوبُ إليه ... 
                        ****************
                      بقلم : د . كاميليا عبد الفتاح  
                       

تعليقات