رَبِّ أرجعون ...

تتخطَّفنا الحياةُ  يمنةً ويُسرةً بعيدا عن أفراح الروح   ..  تتناهبُنا شؤون العيش ومغرياتُه ومشكلاته  وتبدو هذه المشكلات والـمغريات عملاقةً على غير حقيقتها ... تبدو عملاقة لأننا نراها كما يرى الطفلُ الظلالَ عملاقة على الحائط في غرفة شاحبة الضوء ، أو كما كان أجدادنا يرون ظل كل شئٍ عملاقا على جدار كهوفهم فيرهبونه ... هكذا نرى الحياة بكل ما فيها ... هكذا نحنُ : أسرى وعبيد ظلال ... عبيد أوهام وأشباح لا تصمد للضوء  ... ولا تصمد للحقيقة ...

*** ورغم كل مكابدات الحياةِ ومراراتها  ننتظرُ القادم فيها ونأمل فيما لم نعشه بعد ، ونتوسّل للآت أن يكون الأجمل  ويكون  كما يجب أن يكون  المُرتجى ... ! نحنُ إذن لا نعشق من الحياةِ إلا ما لم نره فيها ...! نحنُ لا نتحمّلها إلاَّ أملا فيما لم يأتِ بعد  منها ! نحنُ نتحمّلها تصديقا لوعودها ... أو تصديقا لأوهامنا فيها  وأطماعنا فيها ... وهكذا نحنُ في انتظار غدٍ ... غدٍ لا يأتي ... ولن يأت ... لأن الغد الذي نرتجيه في الحياة لم يُخلق في الحياة ، ولم يُخلق للحياة ...
ولكنَّا ونحنُ في انتظارنا المأساوي المضحك هذا  نغفل عن خالق الحياة ... نتباعد عنه انشغالا بالحياة التي خلقها لنا ... نتجاهله ما أعطانا ورزقنا ... ولذلك ندفع ثمن ابتعادنا هذا غاليا ... ندفعه من أنفسنا وأرواحنا التي تفتقد الأمن والسكينة  والسلام ... تفتقد مذاق كلّ شئ في اللحظة التي تعبُّ فيها من كل شئ في الحياة وتظنُّ أنها قجد نهلت من كلّ شئ ... فإذا بها تجد كل شئٍ ناقصا  وكل مذاقٍ مريرا ... وكلّ ما تظنه سعادة وهما ... وكل ما تظنه كبيرا في الحياة تكتشفُ أنها تراه ظلالا على جدران كهوفها ... كهوفها المصنوعة من أطماعها وحمقها وجهلها وعمائها ... ، و... و... وحين تبصرُ الروحُ هذه الحقيقة وتتوصل إلى انخداعها واقترابها من الهلاك تستجير بالله : ربَ أرجعون ... ربِّ أرجعون ... تصيح الروح  بهذا النداء  كلما انتبهت وعاودها شئٌ من الصفاء والنقاء والبصيرة ، فهي تسارع إلى هذه الاستجارة بالله في الدنيا قبل أن تصرخ بهذه الصيحة في الآخرة حيث لا  يفيدها الصياحُ ولا تنجيها الاستجارة  ، وحيث لا رجوع ولا مناص  ولا فائدة لومضة الانتباه  وبريق الإفاقة ...  ربِّ أرجعون ... ربِّ أرجعون ...

                      **************

                    بقلم : د . كاميليا عبد  الفتاح 

تعليقات