المرأةُ في الطرح القرآني : نصف شهادة ... نصف تذكُّر ...!

* كثيرٌ منَّا يظنُّ أنَّ  المرأة و الأنُثى  مُسمَّيان مترادفان في اللغة العربية يدلّان على شئٍ واحد هو هذا الجنس  المختلف عن الرجل في الشكل والتكوين الخارجي والداخلي ... بل والمختلف عنه في الدور الحياتي ... لكن إذا تأملنا وضعية كل مُسمى من هذين المُسميين في الطرح القرآني أدركنا أنّ هناك اختلافات كبيرة ... إن لم تكُن اختلافات جذرية ... وهي اختلافات في عموم وضعية كل مُسمّى منهما وعموم تكوينه النفسي والعقلي ووضعيته الحياتية 
**  تُذكرُ المرأةُ في القرآنِ الكريم منسوبة لزوجٍ أو بعلٍ ...- أو على الأقل - منسوبة أو مصحوبة  بعائلٍ يعولُها... فكيانُها في هذه الحالة مُكتمل بكيانِ آخر هو هذا الزوج أو العائل المسؤول المُكلّف بها ... 
نجدُ هذه الدلالة واضحة جليّة  في قوله تعالى - في سورة النساء : 
" وإنْ امرأةً خافتْ من بعلِها نشوزاً فلا جُناحَ عليهما أنْ يُصلِحا بينَهُما صُلحا والصُّلحُ خيرٌ ... " الآية رقم 128 
هذه الآية تُحدّد الوضعية الدلالية لكلمة " المرأة " فالمرأةُ إذن هي المنسوبة لبعل أو زوج ... 
**ويطرحُ القرآن الكريم  كثيرٍاً من  النماذج التي تذكرُ بمُسمّى  المرأة  بهذه الدلالة  ، من ذلك : 
امرأةُ عمران ، وامرأةُ نوحٍ ، وامرأةُ لوطٍ ، وامرأةُ العزيز ... ،  وجاء في دعاء زكريا عليه السلام لربه - فيما ساقه المولى على لسانه : 
" وإنِّي خِفتُ المواليَ من ورائي وكانت امرأتي عاقراً " سورة " مريم " / الآية 5 
وكذلك ذُكرتْ زوجةُ أبي لهب في قوله تعالى :
" وامرَأَتُهُ حمَّالة َالحطبِ ... " سورة المَسدّ / الآية 4 
ويبدو من صفات المرأة في الطرح القرآني أيضا : النّضج والخبرة الحياتية وإدراك مرحلة سنيّة بذاتها فضلا عن كونها متزوجة ؛ فقد  وُصِفَت " بلقيس " مَلكة سبأ بقوله تعالى : 
" إنِّي وجدتُ امرأةً تملُكُهُم وَأُوتِيت من كلِّ شئٍ ... "
 سور النمل / الآية 33 
كذلك جاء في وصف المؤمنة التي وهبتْ نفسها للرسول - صلى اللهُ عليه وسلم - : 
" وامرأةً مؤمنةً إنْ وَهَبتْ نفسها للنَّبيّ ... "
سورة الأحزاب / الآية 50 
وفي تحديد أنصبة الميراث في القرآن يقولُ تعالى : 
" وإن كانَ رجلٌ يُورِثُ كلالَةً أو امرأةٌ ولهُ أخٌ أو أختٌ فلكلِّ واحدٍ منهما السُّدُس... " سورة النساء / الآية 12 

*** وهُنا ... هنا  يتوجّبُ علينا أن نخشع للحكمة الإلهية ونخشع  لدقةِ التكليف الإلهي ، ودقة التعبير الإلهي في قوله تعالى في تحديد هوية  شهودِ الدّين ؛ حيث اشترط - سبحانه -لدقة الشهادة - في حالة الدّين-  أن يشهد رجلان أو رجلٌ وامرأتين ... قال تعالى : 
" واستشهدُوا شهيدينِ من رجالِكُم فإنْ لم يكوُنَا رَجُلين فرجلٌ وامرأتانِ ممَّن ترضونَ من الشُّهداءِ أنْ تضلَّ إحداهُما فتُذكِّرَ إحداهُما الأُخرى ... " سورة النساء / الآية 282 
دلائلُ الحكمة الإلهية بادية جليّة في هذا الموضع - وغيره - فقد اشترط الله سبحانه رجلا وامرأتين - إن لم يتيسّر وجود رجلين للشهادة - فاختار المرأة للشهادة ولم يختر : " الأنثى " ... اختار المرأة بما تحمل من صفات تؤهّلها للشهادة ؛ فالمرأة - كما لا حظنا في الطرح القرآني - هي المتزوجة ، ومن ثم يفترضُ فيها الاستقرار النفسي والعصبي والثبات في الرأي ... يُفترضُ فيها النّضج والخبرة لأنها راعيةٌ أسرة وشريكة زوجٍ في معترك الحياة وقد تكونُ منوطةً بأعباء أمومة أيضا ... إذن هي ليست مشوشةً بالرغبة الجنسية ، وليست مشوشةً بالعزوبة ومرارة الوحدة وعلو السن والحرمان من الاستقرار والزوج والولد ... هي لا تعاني  - مثل المرأة العزباء - من مشاعر المرارة والحنق والحرمان الجنسي والشعور بالدونية لأنها مهجورة من قِبل الرجل وغير مُقبل عليها من طالبي الزواج ... هي لا تعاني اضطرابا هرمونيا وعصبيا نتيجة ألوان الحرمان القاسية التي تعاني منها ... كما أنها - هكذا يجب أن تكون - ليست غرة أو ساذجة أو عديمة الخبرة في الحياة ومن ثم فهي لن تُستدرج في شهادة زورٍ بدافع وعدٍ بالزواج ، أو بدافع ارتباكٍ في التفكير وتشويش في الحكم على الأشخاص ... إذن ستكونُ مؤهّلة بما يكفي لنصف شهادة ... نعم نصف شهادة ... لأنها - رغم تكوينها المُطمئِن الذي أشرنا إليه - مُرهقةٌ بطبيعتها المختلفة عن طبيعة الرجل ... مرهقة بتكوينها العاطفي وتوزع أدوارها بين زوج ووولد وبيت ووالد تشفق عليه وووالدة أرضعتها وشقيقة عاشت معها ذكريات طفولتها ... تنوء بعواطفها ووجدانها الذي - في أوقات كثيرة يجعها ترى الحق باطلا فتجتنبه ... وترى الباطل حقّا فتتّبعه ... 
بل لنقل إنها - في أضعف الافتراضات - تتراكم عليها أعباؤها فتنسى ... ونسيانُ المرأة ضلالها ... فهي تنسى معروف زوجها وإيجابياته فتكفّر العشير ... وتنسى إساءاته فتعتذر إليه بدلا من أن تتقبّل اعتذاره ... تنسى آلام المخاض التي كادت تقتلها ولا تتذكر إلا ابتسامة الوليد فتحمل من جديد ... تنسى فتعود ... تنسى فتعود إلى ... وإلى ... وإلى ... وهنا ضلالُها ولذا لم يُكلّفها ربّ العزة والرحمة إلاّ بنصف شهادة ... نصف شهادة ... رحمة منه بها لا ازراءً لها أو تقليلا من شأنها  ... فهو الخالقُ كيف يزدري من خلقه بيديه ، وكيف يقللّ من قيمة صنعه وكيف يسخرُ ممّا سوّى وعدّل وعدل ... إنه يرأفُ ويقدّر ويعلم أن نصف شهادة تكفيها لأن نصف عقلها وكيانها غائبٌ مُغيّبٌ في رعاية أحبتها : زوجها وأولادها و... وغائبٌ في الحمل والرضاع والطمث والوجدان النشط الذي يفنيها ويُحيي مواتَ من حولِها ... فالحاضر المُتبقّي منها للآخر ... للخارج ... لمن هم  خارج دائرة وجدانها  : نصف شهادة ...أي نصف وعي ونصف اهتمام ونصف دقّة ... ونصف تذكّر ... 

            


      بقلم : د . كاميليا عبد الفتاح   

تعليقات