تخفيضات انتحارية : هذا فؤادي ...؛فامتلكْ أَمرَهُ...!

*** توجّه الشاعرُ إلى حبيبته بكل ما يملكُ من رجاءٍ وتوسّل يحاولُ - عبثاً -  أن يستعيدَ - ما كان بينهما ... توجّه إليها يُذكّرُها بأنّها تملكُ من كيانه ما لايملكُ وبأنّها صارت مركز حياته والهدف من وجوده ... بأنها ... هي ... ولولاها هي  ما اقتحم نيران الهوى واللوعة والحيرة والهجر ... ما اقتحم نيران تنكّرها له ... قال الشاعرُ : 


مِن أجلِ عينيكَ عشقتُ الهوى      بعد زمانٍ كنتُ فيه الخَليّ 
وأصبحتْ عينيَ بعدَ الكَرى          تقولُ للتّسهيدِ : لا ترحلِ 


ثمّ تَطايرً قلبُ الشّاعرُ وجْدأ وهُياماً وتَصاعَدتْ أنّاتُه تشكو لوعة الافتقاد ومرارات الصّبابة فَتَعالَى صَوْتُه يُعلِنُ استعدَادَه لأضخم عروض االتّخفيضات والمزاداتِ العَلَنيّة في المجتمع البشري ...؛ فهو يُعلنُ عن تخفيضاتٍ حقيقيّة حول مشاعره وكيانه و... : قلبه ... قالَ الشاعرُ : 
يافَاتِناً ، لولاهُ مَا هَزَّني شوقٌ          ولا طعمُ الهوى طابَ لي 
هذا فؤادي ، فامْتَلِكْ أَمْرَهُ               فَاظْلِمْهُ إنْ أحْبَبْتَ أَو فاعْدِلِ 


أوقَفنِي تأمّلُ البيتِ عند حدِّ الرعبِ : 
هذا فؤادي ، فامْتَلِكْ أَمْرَهُ           فَاظْلِمْهُ إنْ أحْبَبْتَ أَو فاعْدِلِ 


... ليست هذه هي المرّة الأولى التي أقرأُ فيها هذه القصيدة أو هذا البيت - وما يُشبهه - لكنّ الانشغال بقراءتِه من الجانب الإبداعي شغلَ عمّا فيه من مُثيراتِ الفزع والإدهاش لأنّهُ ... لأنّهُ مذلَّةٌ للأصفادِ ... عشقٌ للعبوديّة ... توسُّلٌ للرِّقّ والهوان ... وهو - فضلاً عن ذلك - مذلَّةٌ من ضعيفٍ إلى ضعيفٍ مثله ... مذلّةٌ من عاجزٍ محدودٍ إلى عاجزٍ محدودٍ ... منْ كيانٍ مُتقَلّبٍ مُتغيِّرٍ إلى نَظيِرهِ ...
*** المُدهشُ أنّ هذا الصّك الــ ... عُبوديّ لنْ يُوصل المتنازلَ إلآّ إلى المزيد من الهوانِ وصولا إلى الشقاء ... وصولاً إلى الأسى والكآبة ... وصولاً إلى الهذيان من الهجر أو من الفقد -  بالموت أو الفقدِ نتيجة  التَغيُّر والتحوّل في المشاعرِ- ... وهكذا يقدّمُ الشاعر عروضا انتحاريّة على " سيرك " المشاعر ... وهو على استعدادٍ لإعراض  الطرف الآخر وتكبُّره عليه  - كي يتفجّر بالمزيد من التوسّل - وهو على استعداد للمزيدِ من شروطِ الطرفِ الآخر الذي قد لا يكتفي بامتلاك القلبِ بل يشترطُ امتلاك الروح ليمنح رضاه ... ثمّ يزهدُ فيها ويُعرضُ عنها وعن صاحبها مشغولا بعروض أخرى مٌبهرة على مسرح الحياة ... 


*** إنّ الشاعر - في عرضه ال... مجنون يقدمُ قلبه سواءً كان مصيره عدلَ محبوبه أو ظلمَه ...إنّها المُقامرةُ والمغامرةُ ...
و أتساءلُ هنا : 
مالّذي يُعْمي أبصارَنَا عن حبّ منْ يبادِلُنا حبّا بحبٍّ - سبحانَهُ - ومَن يجازِينا عن تَذلّلنا إليه بإسباغِ العزّة علينا والمهابة والإكرامِ ...؟ مالذي يمنعنا من التقدّم إليه - سبحانَه - بهذا العرض السّخي ...؟ مالذي يجعَلُنا أشحَّاءَ في التقدّم إلى الله سبحانه بهذا الوَلَه وهذا الصّدق والولاء والعبودية رغمَ أنّنا على يقينٍ من أنّنا إذا قدّمْنا قلوبَنا إليه بهذه الكيفية لَن نجدَ منه إلاَّ العدلَ ... ؛ فنحنُ مع هذا الحبيب الكريمِ العزيز الغنيّ العادل - سبحانه - لنْ نُقامرَ بقلوبنا ... ولَنْ نردّد : " فاظْلِمْه إن أحببتَ أو فاعْدِلِ " ... بل سنكونُ في مأْمَنٍ وفي مُطْمئنّ الروحِ والنّفسِ والعقلِ ... وسنردّدُ : 


هذا فؤادي ، فامْتَلِكْ أَمْرَهُ ...  فَارْحمْهُ إنْ أحْبَبْتَ أَو فاعْدِلِ 

يا أعدلَ عادِلِ ... يا أعدلَ عادِلِ ... 


                  
                         بقلم : د. كاميليا عبد الفتاح

تعليقات