*** الإباحةُ والحريةُ هي الأساسُ الذي خلقَ اللهُ الكونَ عليه ، والتقييدُ والمنعُ استثناءٌ مقصودٌ إمَّا للابتلاء ، أو لدفع الضرر عن الإنسانِ .
ألزمَ اللهُ الإنسانَ بهذا القانون ، وهذه السُّنّة منذُ بدء الخليقة ، ومنذ أطلقَ لآدمِ وزوجه عنانَ التمتّع بخيرات الجنّة ما شاءا أن يتمتَّعا ، ونهاهُما عن شجرةٍ واحدةٍ ... شجرةٍ واحدةٍ مُحرَّمة مقابلَ كلّ ما في الجنّة من خيراتٍ ومتاعٍ ، وثمارٍ وبهجةٍ يانعةٍ . وقال - تعالى - في ذلك :
" وقُلنا يا آدمُ اسْكُنْ أنتَ وزوجُكَ الجنَّة وَكُلاَ منها رَغداً حيثُ شئتمُا ولاتَقْربَا هذه الشجرةَ فتكونا من الظالمين 35 ) فَأزّلَّهُما الشيطانُ عنها فأخرجَهُما ممَّا كانَا فيه وقُلنا اهْبِطوا بعضُكم لبعضٍ عدوٌّ ولَكُم في الأرضِ مُستَقرٌّ ومَتاعٌ إلى حين 36 )
إنَّ تجاهل آدم وزوجه للقانونِ الإلهي الخاص بالإباحة والمنع أدَّى إلى حرمانِهما من المَراحِ في المُباح المُتاحِ ، بل أدَّى إلى تضييقِ دائرة النِّعم المُباحة وهي الجنّة بأسرها ؛ فهبَطا من الجنة إلى الأرضِ ، وفقدا خيراتِ الجنّة التي لا تُعوّضُ ... وهكذا كانت ( شجرة واحدة مُحرَّمة ) سبباً في الحرمان من كلّ أشجار الجنّة .... وكان عدم الالتزامُ هو السببُ في الحرمانِ وتضييق آفاق الحريّة الإنسانية .
على هذا النهج - والسنّة الإلهية ذاتها - يقولُ تعالى في وصف ما صارَ إليه أمرُ بني إسرائيل من تضييق مجال المُباح والمُحرّم من متاعِ الحياة ، وطيّباتِ الطَّعام - الآية رقم 93 من سورة البقرةِ - :
" كُلُّ الطّعامِ كانَ حِلاً لبني إسرائيل إلاَّ مَا حَرَّمَ إسرائيلُ على نفسهِ من قبلِ أنْ تُنزَّلَ التَّوراةُ قُلْ فأتُوا بالتّوراةِ فاتْلُوها إنْ كنتُم صادقين "
*** إنَّ هذه المواضع القرآنية الكريمة - وغيرها - تثبتُ أنَّ الله سبحانه جعل الحريةًَ والإباحةَ من مُقتضياتِ سُنّته ، وجعل الحظر والمنع استثناءً لا تعتمدُ عليه سيرورةُ الوجود ...
كما يُثبتُ الطرحُ القرآني الكريمُ أنَّ عدمَ التزامِ الإنسان بالسنن الإلهية هو الذي يزيدُ من مساحة حرمانه ، ويُضيِّقُ منْ مساحةِ حُريّته ؛ فتؤدي به المعصيةُ إلى الاختناق والحبسِ والقيود التي كانَ يخشاها ، وكانَ يظنُّ أنَّ معصيته سوف تحميه منها ، وتمنحه المزيدَ من الحُريَّات .... سبحانك ربي .
*** بقلم : د. كاميليا عبد الفَتَّاح

تعليقات
إرسال تعليق