جبالُ الماء : تفاصيلُ إغراقٍنا المُعلَن ....


**حين دَعا نوحٌ - عليه السلام - ابنَه للهداية والرشاد ، ونصحه أن يلحقَ به وبأتباعهِ من المؤمنين ويعتلي معهم السفينة ، أبى الولدُ وأخذتهُ عزّة الكفر ، وإصرار الجاهلية ، وضلالُ من ختم اللهُ على قلوبهم ؛ فأغراه الشيطانُ بتحدّي المعجزة التي آتاها اللهُ أباهُ ( نوحا) ، وهي السفينة التي سيبدأُ منها جيلٌ جديدٌ من البشرية ...، أغراه الشيطانُ وساقهُ اللهُ  إلى حمقِه وغيِّهِ ، فقدْ غفل عن مصيره الذي رتّبه اللهُ له ، ودبّره لحتفهِ ، وساقَه إليه ...هذا ما نتوصّلُ إليه حين نتدبّر سياق الآيات القرآنية التي رصَدت هذا الحدث الجلل : كفر الابن برسالة أبيه ، وعقوقه لهذا الأب ، وعمائه عمّا يرتّبُ له قضاءُ الله ليكون خاتمته ...!
لقد وصفَ - سبحانه - مسيرة السفينة في موجٍ كالجبال ؛ فشبّه - سبحانَه - الموجَ بالجبالِ في ضخامته وعملقتِه ...، ثم ساق على لسان ابنِ نوحٍ قوله بأنه سيأوي إلى جبلٍ يعصمهُ من الماء ...!! 
يقولُ تعالى في سورة " هود" :
" وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ42 )قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) 43 ) 
وهنا يطرحُ السؤالُ ذاته : بأي شئٍ اعتصمَ ابنُ نوحٍ : بجبلٍ حقيقيٍ أم بموجٍ أظهرهُ اللهُ جبلاً ليعتليه هذا الابنُ ؛ ويظنُّ فيه النجاةَ بينما كان موتُه فيه وكان الإغراق وسوء المصير ؟ !!!
بأي جبلٍ اعتصمَ ابنُ نوحٍ ؟ بالجبل الحقيقيّ أم بالموجِ الذي جعله الله يتجلّى في صورة موجٍ على سبيل التخييل - مثلما يبدو السرابُ ماءً - لقد علا الموجُ وبدا جبالاً شاهقةً تعتلي الأرضَ ، فكيفَ استطاعَ ابنُ نوحٍ أنْ يجدَ جبلاً سالماً من الماء وسطَ هذه الجبال ( المائيّة )  كيف استطاعَ أن يتخيّر جبلاً للنجاة ، وكيف استطاعَ أن يوقنَ أن هذا الجبلَ جبل ...لقد كانَ الطوفانُ يغرقُ الأرضَ وكان الماءُ منصبَّاً من السماءِ ، وطالعاً من الأرضِ فأنّى له بجبلٍ يعصمُه "! 
** هل مكرَ به اللهُ - والله خيرُ الماكرين - هل أراهُ الحقّ باطلاً وجنّبه اتّباعهُ ، وأراهُ الباطلَ حقّا وأغراهُ به بعد أن رفض الرشاد ؟! ...

ونحنُ ...نحنُ : كم جبلٍ من الماء رأيناهُ جبلاً صخريَّا يُغري بالارتكانِ إليه ، والاعتصام به  بينما هو يسيلُ وينزلقُ بأقدامِنا وأحلامنا ، وثباتنا ...؟! كم جبلٍ وهميٍ خيّلتهُ لنا الحياةُ واعتليناهُ وما هي إلاّ برهةً حتى أغرقتنا المياهُ وفوجئنا بالغرق ...كم جبلٍ من الوهم والزيغ ؟!! كم جبلٍ من المال والشباب والفتوة والبنين ، والحبيب ، والأهل ، والجاهِ والمنصبِ ، وإقبال الحباة ...الحياة ...هذه الماكرة ...الماكرة ...ما هي إلاَّ جبالُ الماء ...ما هي إلا جبلٌ كبيرٌ من الماء أوينا إليه ورغم أن الانزلاق حادثٌ إلاّ أن بعضنا لايدركه وولا يشعرُ به إلاّ لحظة الإغراق ...
لذلك يحرّضنا اللهُ في كتابه : " ففرّوا إلى اللهِ ..." الآية 50 سورة الذاريات 
و لذلك يحذِّرُنا - سبحانه - :
" منْ يَهد اللهُ فلا مُضلَّ له ومنْ يُضلِلْ فَلنْ تجدَ لهُ وليَّاً مُرشدا "
الآية 17 / سورة الكهف 

** اللَّهمَ أََرنا الحقّ حقّا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطلَ باطلاً وارزقنَا اجتنابَه ...

**** د. كاميليا عبد الفتّاح 





تعليقات